عالم أحبه ..


فصل في : معنى  " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن"
لاشك أن الدعوة إلى الله بأنها وظيفة جليلة ، وقربة عظيمة ، لها منزلة عالية في الشريعة ، ويكفيها شرفاً ومنزلة وعزاً وفخرأ كونها وظيفة الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة.
ومن شرط صحة هذه الدعوة أن تكون على بصيرة كما في الآية " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن"
بيان معنى البصيرة:
قال الشيخ عزيز بن فرحان العنزي في كتابه البصيرة في الدعوة إلى الله تقديم الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ص 13 : " والبصيرة هي : العلم الشرعي المؤصل، المبني على الدليل ، من الوحي المنزل من عند الله عز وجل، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والفهم لمراد الله تعالى فيما أنزله، أي : علم ، ويقين ، وبرهان شرعي وعقلي ، فيما يدعو إلى فعله، وفيما يدعو إلى تركه ، وفي أسلوب الدعوة ، وفي حال المدعوين ، وسلوك الطريق الصحيح في ذلك .
وأي دعوة تخلو من هذه الشروط وهو البصيرة : فإنها دعوة مهلهلة، أساسها غير متين "
فأركان البصيرة الثلاثة هي :
1.     البصيرة فيما يدعو إليه الداعي.
2.     البصيرة في حال المدعوين
3.     والبصيرة في أسلوب الدعوة وكيفيتها.

إلى ماذا يدعو الداعي ؟
 قال في ص 23: " والداعية إنما يدعو إلى دين الإسلام ، فهو يدعو إلى التوحيد والسنة ، ويحارب الشرك والبدعة ، ويبين الأحكام الشرعية لأصول العبادات وفروعها، وينهى الناس عن الخطأ فيها ، ويدعو إلى الأخلاق وفضائل الآداب، وينهى عن ضدها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الدعوة إلى الله هي : الدعوة إلى الإيمان به ، وما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروه به، وطاعتهم فيما أمروا" ( مجموع الفتاوى (15\157)
وقد بين الشيخ ابن باز رحمه الله الأصول العامة والخطوط العريضة للإسلام والتي يجب على الداعية أن يدعو إليها فقال :"وعلى رأس الدعوة إلى الإسلام الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، إلى الإخلاص لله ، وتوحيده بالعبادة ، والإيمان به وبرسله ، والإيمان باليوم الآخر ، وبكل ما أخبر الله به، ورسوله ، هذا هو الأساس ، الصراط المستقيم ، وهو الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله"ا.هـ.( الدعوة إلى الله و أخلاق الداعية ص 40-42)
فائدة : فساد العقيدة هي سبب مصائب المسلمين.
ذكر الشيخ بعد ذلك في كتابه بعض الشبهات والإشكلات الذي ذكره من يَزهَد ويُزهِد بالاعتناء بهذا الجانب العظيم، من ذلك : أن زماننا مختلف عن زمان الرسول صلى الله عليه وسلم في تقبل الناس ، ولا حاجة في تركيز الدعوة في التوحيد وجعلها من أوليات الدعوة ، فهم الآن أحوج إلى جوانب أخرى وإلى السياسة وغيرها قال :
" وفي حقيقة الأمر: أنه ما وقعت الفتنة ، ولا حصلت الفرقة ولا تشرذم المسلمون طرائق ، وتمزقوا حذائق ، إلا بسبب إهمال الدعاة والعلماء لجانب العقيدة ، فإنا إليه وإنا إليه راجعون !!"
" وما برزت الطفيليات المذهبية على السطح ، من اشتراكية ، وشيوعية، ورأسمالية ، وقومية ، وغيرها الكثير ، وأشرب حبها كثير من المسلمين ، إلا بسبب إهمال الحديث عن العقيدة"
" وما استنكر الناس بعض مسائل التوحيد ، وعسرت على كثير من المسلمين بعض السنن ، وما نجمت من البدعة ، ولا سيدت القباب ، والأضرحة ، إلا بسبب ترك لحديث عن العقيدة ، والتي هي قطب رحى الأعمال، ومدار القبول ، يقول الله تعال : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ""
 "وما تسلط عدو ، ولا انقلب حال الدهر ، ولا سلب المسلمون عادة الظهور والقهر ، وما بدل الله حالنا إلى ما نحن عليه ، إلا بسبب ضياع العقيدة والتوحيد من نفوس المسلمين وواقعهم ، وقيام رموز الوثنية ، وانتشار المعالم الشركية ، وغربة التوحيد وأهله "
قال " فليكن الداعية على حذر من التلبيسات الباطلة ، والشبه الباهتة ، فنحن كما أننا مأمورون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والسلوك ، بل وفي قضايانا الاجتماعية ، كذلك يجب علينا اتباعه صلى الله عليه وسلم في منهجه في الدعوة إلى الله تعالى ، وطريقته في التبليغ ، وأن نبدأ بما بدأ به ، وأن نركز على ما ركز عليه ، وأن لا نجعل من منهج الدعوة إلى الله تعالى ، محلاً للاجتهاد والأخذ والرد ، ونحدث لهذه الدعوة أصولا وقوانين جديدة من عند أنفسنا ، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه رضوان الله تعالى عليهم  ، فنجعل من أمر التوحيد مثلاً ، والدعوة إليه أمراً ثانوياً فرعياً ، ونزعم أن المصلحة تقتضي ذلك.
إن المصلحة الحقيقة كامنة في اتباعه صلى الله عليه وسلم ، قال الله عز وجل " وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين " ، وإن تأخر النصر على المسلمين أو عدم استجابة المدعوين ، أو مرور المسلمين بظرف ما ، لا يسوغ أبداً إحداث أمر يخالف ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقضية هداية التوفيق أو نزول النصر والفتح أو غير ذلك ليست إلينا .. فنحن مأمورون بإحسان الطريقة ، والنتائج ليست إلينا ، ولا بأيدينا ، إنما هي بيد الله تعالى" ا.هـ
 ( البصيرة في الدعوة إلى الله 44-46)
وبهذا يتبين لنا أخواتي هنا من هو الذي يدعو الله على بصيرة ، قال الله : " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن " فالله أمر نبيه بأن يقول بأنه هو ومن اتبعه فقط هم من يدعون إلى الله على بصيرة وغيرهم الذين لم يتبعوه فهم ليسوا على بصيرة في دعوتهم .
من هذا نستنتج بأن الغاية لا تبرر الوسيلة ، والمقاصد الشرعية لا تنال إلا بالوسائل الشرعية، فالوسيلة الشرعية هي الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالعلماء الربانيين ، وطريقة السلف الصالح. وعلى ذلك على المسلم من أن يكثر من الحديث عن العقيدة والتوحيد اقتداء بهم.
إلى من يدعو الداعي ؟
لاشك أن منهج الأنبياء في الدعوة هو الدعوة إلى الله لا إلى شخص أو إلى جماعة كما في الآية " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن"
قال العلامة بن باز : "والخلاصة : أن الواجب على الداعية الإسلامي أن يدعو إلى الإسلام كله ، ولا يفرق بين الناس ، ولا يكون متعصباً لمذهب دون مذهب ، أو لقبيلة دون قبيلة ، أو لشيخه أو رئيسه ، أو غير ذلك ، بل الواجب أن يكون هدفه : إثبات الحق وإيضاحه ، واستقامة الناس عليه ، وإن خالف رأي فلان وفلان"
قال " وعليك ألا تتعصب ، وتقلد تقليداً أعمى ، بل تعرف للأئمة فضلهم وقدرهم ، ولكن مع ذلك تحتاط لنفسك ، ولدينك ، فتأخذ بالحق ، وترضى به ، وترشد إليه إذا طلب منك ، وتخاف الله وتراقبه جلا وعلا ، وتنصف من نفسك مع إيمانك بأن الحق واحد ، وأن المجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد أعني : مجتهدي أهل السنة ، أهل العلم والإيمان والهدى كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( الدعوة إلى الله و أخلاق الداعية ص 52-54)
فتأملن بارك الله فيكن ،كيف أنه يجب على المسلم أن يتحرى في دينه ويحتاط له وأنه لا ينبغي له بأن يأخذ بأي قول شاء، بل يأخذ بالدليل ، و يبحث عن الحق ويأخذ به كيفما كان ، فالحكمة ضالة المؤمن، والحق واحد وما عداه فخطأ ، ولا يتعصب لأحد ، بل التعصب لا يكون إلا للحق وحده.
قال شيخ الإسلام " ليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع ، وإنما الحجة النص والإجماع ودليل مستنبط من ذلك ، تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية ، لا بأقوال العلماء ، فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية ، لا يحتج بها على الأدلة الشرعية" ( مجموع الفتاوى 26\202-203)
ذلك بأن الهدف من الدعوة هو الله وحده وإحقاق الحق .. لا الدعوة إلى الأشخاص أو مذاهبم أو آرائهم .. فتأملن بارك الله فيكن هذا الأصل .. واحرصن أشد الحرص على تعلم ضابطه .. فإن تعارض شيء بيننا مستقبلأ فالاحتجاج يكون بالأدلة الشرعية التي حوتها أقوال العلماء ، لا بأقوالهم بحد ذاته .
العلم قال الله قال رسوله * * * قال الصحابة ليس خِلاف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة * * * بين النصوص وبين رأي فقيه

وعلى هذا فإذا صادم قول عالم نصاً شرعياً فإنه رد عليه ، وكل يقبل من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما نص عليه السلف الصالح ، والعبرة والأصل هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم،  حتى لو خالفه أفضل السلف :
قال ابن عباس لخير القرون – قرن الصحابة -  :" يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول لكم : قال الرسول صلى الله عليه وسلم،  وتقولون لي: قال أبو بكر، قال عمر"
كيف يدعو الداعي ؟
قال المصنف: في منهج الدعوة إلى الله تعالى:
"ولتعلم – أرشدني الله وإياك للحق والصواب -: أن منهج الدعوة إلى الله تعالى أمر توقيفي ، لأن الدعوة عبادة من العبادات ، وقربة من القرب.
فالدعوة إلى الله  ليست أرضا مباحة لكل أحد ، يجتهد فيها وفق ذوقه ورأيه بل لابد فيها من التسليم والاتباع التام للنبي صلى الله عليه وسلم ز
وأوقفك – أوقفني الله وإياك مواطن رضاه – إلى جواب فصل في هذه المسألة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ، ذكر فيها نكتا ولمعا لا يستغني عنه داعية ولا طالب علم ، وذلك في معرض جوابه على سؤال أورد عليه وهو :
" عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر: من القتل، وقطع الطريق، والسرقة، وشرب الخمر، وغير ذلك. ثم إن شيخًا من المشائخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك، فلم يمكنه إلا أن يقيم لهم سماعا يجتمعون فيه بهذه النية، وهو بدف بلا صلاصل، وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابة، فلما فعل هذا تاب منهم جماعة، وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي يتورع عن الشبهات، ويؤدي المفروضات، ويجتنب المحرمات. فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه، لما يترتب عليه من المصالح، مع أنه لا يمكنه دعوتهم إلا بهذا؟
أصل جواب هذه المسألة وما أشبهه: أن يعلم أن الله بعث محمدا بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا. وأنه أكمل له ولأمته الدين. كما قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }. وأنه بشر بالسعادة لمن أطاعه، والشقاوة لمن عصاه، فقال تعالى: { وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } ، وقال تعالى: { وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا }.
وأمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعثه به، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } ، وأخبر أنه يدعو إلى الله وإلى صراطه المستقيم، كما قال تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي }. وقال تعالى: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأمُورُ }.
وأخبر أنه يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات، ويحرم الخبائث. كما قال تعالى: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.
وقد أمر الله الرسول بكل معروف ونهى عن كل منكر. وأحل كل طيب، وحرم كل خبيث. وثبت عنه في الصحيح أنه قال: «ما بعث الله نبيا إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم»، وثبت عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. قال: فقلنا: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: «أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل بدعة ضلالة». وثبت عنه أنه قال: «ما تركت من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به». وقال: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك».
وشواهد هذا الأصل العظيم الجامع من الكتاب والسنة كثيرة وترجم عليه أهل العلم في الكتب. كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة كما ترجم عليه البخارى والبغوي وغيرهما، فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من أولياء الله المتقين، وحزبه المفلحين، وجنده الغالبين.
 وكان السلف كمالك وغيره يقولون: السنة كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وقال الزهري: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة.
إذا عرف هذا فمعلوم أن ما يهدي الله به الضالين ويرشد به الغاوين ويتوب به على العاصين، لابد أن يكون فيما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة، وإلا فإنه لو كان ما بعث الله به الرسول لا يكفي في ذلك، لكان دين الرسول ناقصًا، محتاجًا تتمة. وينبغي أن يعلم أن الأعمال الصالحة أمر الله بها أمر إيجاب أو استحباب، والأعمال الفاسدة نهى الله عنها.
والعمل إذا اشتمل على مصلحة ومفسدة، فإن الشارع حكيم. فإن غلبت مصلحته على مفسدته شرعه، وإن غلبت مفسدته على مصلحته لم يشرعه، بل نهى عنه، كما قال تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }، وقال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } ، ولهذا حرمها الله تعالى بعد ذلك.
وهكذا ما يراه الناس من الأعمال مقربًا إلى الله، ولم يشرعه الله ورسوله، فإنه لابد أن يكون ضرره أعظم من نفعه، وإلا فلو كان نفعه أعظم غالبًا على ضرره لم يهمله الشارع، فإنه حكيم، لا يهمل مصالح الدين، ولا يفوت المؤمنين ما يقربهم إلى رب العالمين.
إذا تبين هذا فنقول للسائل: إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعون على الكبائر. فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي، يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة، أو عاجز عنها، فإن الرسول والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية، التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية.
فلا يجوز أن يقال: إنه ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه ما يتوب به العصاة، فإنه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلا الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية، التي ليس فيها ما ذكر من الاجتماع البدعي؛ بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وهم خير أولياء الله المتقين، من هذه الأمة تابوا إلى الله تعالى بالطرق الشرعية، لا بهذه الطرق البدعية. وأمصار المسلمين وقراهم قديما وحديثا مملوءة ممن تاب إلى الله واتقاه، وفعل ما يحبه الله ويرضاه بالطرق الشرعية، لا بهذه الطرق البدعية.
فلا يمكن أن يقال: إن العصاة لا تمكن توبتهم إلا بهذه الطرق البدعية، بل قد يقال: إن في الشيوخ من يكون جاهلا بالطرق الشرعية، عاجزًا عنها، ليس عنده علم بالكتاب والسنة، وما يخاطب به الناس، ويسمعهم إياه، مما يتوب الله عليهم، فيعدل هذا الشيخ عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية، إما مع حسن القصد، إن كان له دين، وإما أن يكون غرضه الترأس عليهم، وأخذ أموالهم بالباطل، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ } ، فلا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى البدعية إلا لجهل، أو عجز، أو غرض فاسد." ا.هـ. ( مجموع الفتاوى 11\621-623)
ولا ريب أخواتي الكريمات بأن هذه السماعات من أشبه ما يكون بما يدعى بالأناشيد اليوم ، حتى لو لم يكن فيها دف . إذا أن العلة مشتركة، وهي كونها ليست طريقة شرعية دعا بها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا في القرون المفضلة .
قال شيخ الإسلام  في استكمال الفتوى : " وقول السائل وغيره: هل هو حلال؟ أو حرام؟ لفظ مجمل به تلبيس، يشتبه الحكم فيه، حتى لا يحسن كثير من المفتين تحرير الجواب فيه، وذلك أن الكلام في السماع وغيره من الأفعال على ضربين:
أحدهما: أنه هل هو محرم؟ أو غير محرم؟ :  بل يفعل كما يفعل سائر الأفعال التي تلتذ بها النفوس، وإن كان فيها نوع من اللهو واللعب كسماع الأعراس، وغيرها. مما يفعله الناس لقصد اللذة واللهو، لا لقصد العبادة والتقرب إلى الله.
والنوع الثاني: أن يفعل على وجه الديانة، والعبادة، وصلاح القلوب، وتجريد حب العباد لربهم، وتزكية نفوسهم، وتطهير قلوبهم وأن تحرك من القلوب الخشية، والإنابة، والحب، ورقة القلوب، وغير ذلك مما هو من جنس العبادات، والطاعات، لا من جنس اللعب والملهيات.
فيجب الفرق بين سماع المتقربين، وسماع المتلعبين، وبين السماع الذي يفعله الناس في الأعراس، والأفراح، ونحو ذلك من العادات، وبين السماع الذي يفعل لصلاح القلوب، والتقرب إلى رب السموات، فإن هذا يسأل عنه: هل هو قربة وطاعة؟ وهل هو طريق إلى الله؟ وهل لهم بد من أن يفعلوه لما فيه من رقة قلوبهم، وتحريك وجدهم لمحبوبهم، وتزكية نفوسهم، وإزالة القسوة عن قلوبهم، ونحو ذلك من المقاصد التي تقصد بالسماع؟ كما أن النصارى يفعلون مثل هذا السماع في كنائسهم على وجه العبادة والطاعة، لا على وجه اللهو واللعب.
إذا عرف هذا فحقيقة السؤال: هل يباح للشيخ أن يجعل هذه الأمور التي هي: إما محرمة، أو مكروهة، أو مباحة، قربة وعبادة وطاعة، وطريقة إلى الله يدعو بها إلى الله، ويتوب العاصين، ويرشد به الغاوين، ويهدي به الضالين؟
ومن المعلوم أن الدين له أصلان فلا دين إلا ما شرع الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله. والله تعالى عاب على المشركين أنهم حرموا مالم يحرمه الله، وشرعوا دينًا لم يأذن به الله.
ولو سئل العالم عمن يعدو بين جبلين: هل يباح له ذلك؟ قال: نعم، فإذا قيل: إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة، قال: إن فعله على هذا الوجه حرام منكر، يستتاب فاعله، فإن تاب وإلا قتل.
ولو سئل عن كشف الرأس، ولبس الإزار، والرداء: أفتى بأن هذا جائز، فإذا قيل: إنه يفعله على وجه الإحرام، كما يحرم الحاج. قال: إن هذا حرام منكر.
ولو سئل عمن يقوم في الشمس. قال: هذا جائز. فإذا قيل: إنه يفعله على وجه العبادة. قال: هذا منكر. كما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله رأى رجلا قائمًا في الشمس. فقال: «من هذا»؟ قالوا: هذا أبو إسرائيل يريد أن يقوم في الشمس، ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم. فقال النبي : «مروه فليتكلم، وليجلس، وليستظل وليتم صومه» فهذا لو فعله لراحة، أو غرض مباح لم ينه عنه، لكن لما فعله على وجه العبادة نهى عنه.
وكذلك لو دخل الرجل إلى بيته من خلف البيت، لم يحرم عليه ذلك، ولكن إذا فعل ذلك على أنه عبادة، كما كانوا يفعلون في الجاهلية: كان أحدهم إذا أحرم لم يدخل تحت سقف، فنهوا عن ذلك، كما قال تعالى: { وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } [27]، فبين سبحانه أن هذا ليس ببر، وإن لم يكن حراما، فمن فعله على وجه البر والتقرب إلى الله كان عاصيًا، مذمومًا، مبتدعًا، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن العاصي يعلم أنه عاص فيتوب، والمبتدع يحسب أن الذي يفعله طاعة فلا يتوب.
ولهذا من حضر السماع للعب واللهو، لا يعده من صالح عمله، ولا يرجو به الثواب، وأما من فعله على أنه طريق إلى الله تعالى فإنه يتخذه دينًا، وإذا نهى عنه كان كمن نهى عن دينه، ورأى أنه قد انقطع عن الله، وحرم نصيبه من الله تعالى إذا تركه، فهؤلاء ضلال باتفاق علماء المسلمين، ولا يقول أحد من أئمة المسلمين: إن اتخاذ هذا دينًا وطريقًا إلى الله تعالى أمر مباح، بل من جعل هذا دينًا وطريقًا إلى الله تعالى فهو ضال، مفتر، مخالف لإجماع المسلمين. ومن نظر إلى ظاهر العمل وتكلم عليه، ولم ينظر إلى فعل العامل ونيته كان جاهلا متكلمًا في الدين بلا علم.
فالسؤال عن مثل هذا أن يقال: هل مايفعله هؤلاء طريق وقربة وطاعة لله تعالى يحبها الله ورسوله أم لا؟ وهل يثابون على ذلك أم لا؟ وإذا لم يكن هذا قربة وطاعة وعبادة لله، ففعلوه على أنه قربة وطاعة وعبادة وطريق إلى الله تعالى. هل يحل لهم هذا الاعتقاد؟ وهذا العمل على هذا الوجه؟
وإذا كان السؤال على هذا الوجه لم يكن للعالم المتبع للرسول أن يقول: إن هذا من القرب والطاعات، وأنه من أنواع العبادات، وأنه من سبيل الله تعالى وطريقه الذي يدعو به هؤلاء إليه، ولا أنه مما أمر الله تعالى به عباده: لا أمر إيجاب، ولا أمر استحباب، وما لم يكن من الواجبات والمستحبات فليس هو محمودًا، ولا حسنة، ولا طاعة، ولا عبادة، باتفاق المسلمين.
فمن فعل ما ليس بواجب ولا مستحب على أنه من جنس الواجب أو المستحب فهو ضال مبتدع، وفعله على هذا الوجه حرام بلا ريب. لا سيما كثير من هؤلاء الذين يتخذون هذا السماع المحدث طريقًا يقدمونه على سماع القرآن وجدًا وذوقًا. وربما قدموه عليه اعتقادًا، فتجدهم يسمعون القرآن بقلوب لاهية، وألسن لاغية، وحركات مضطربة. وأصوات لا تقبل عليه قلوبهم، ولا ترتاح إليه نفوسهم، فإذا سمعوا المكاء والتصدية أصغت القلوب، واتصل المحبوب بالمحب، وخشعت الأصوات، وسكنت الحركات، فلا سعلة، ولا عطاس، ولا لغط، ولا صياح، وإن قرؤوا شيئًا من القرآن، أو سمعوه كان على وجه التكلف والسخرة، كما لا يسمع الإنسان ما لا حاجة له به، ولا فائدة له فيه، حتى إذا ما سمعوا مزمار الشيطان أحبوا ذلك، وأقبلوا عليه، وعكفت أرواحهم عليه.
فهؤلاء جند الشيطان، وأعداء الرحمن، وهم يظنون أنهم من أولياء الله المتقين، وحالهم أشبه بحال أعداء الله المنافقين، فإن المؤمن يحب ما أحبه الله تعالى، ويبغض ما أبغض الله تعالى، ويوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله، وهؤلاء يحبون ما أبغض الله، ويبغضون ما أحب الله، ويوالون أعداء الله، ويعادون أولياءه، ولهذا يحصل لهم تنزلات شيطانية بحسب ما فعلوه من مزامير الشيطان، وكلما بعدوا عن الله ورسوله وطريق المؤمنين قربوا من أعداء الله ورسوله، وجند الشيطان." ا.هـ. ( مجموع الفتاوى 11\623-625)
وكذا هو فتاوي مشايخنا الأكابر فجزاهم الله عنا خير الجزاء.

فصل في : بيان من هم العلماء الذين نعتمد عليهم في فتيانا في عصرنا ؟؟
قالت الأخت المجاهدة :" كما أننا لدينا علماء أجلاء وثقت الأمة في علمهم  ،نستقي من علمهم منهم : الشيخ عبدالرحمن السحيم حفظه الله والشيخ عبد العزيز الفورزان حفظه الله ،والشيخ صالح الفوزان حفظه الله، ولا ننكر فضل علماؤنا الأجلاء رحمهم الله " ابن عثيمين - ابن باز - الألباني - ابن جبرين " وغيرهم وذكرتهم للتمثيل لا للحصر ، وممن أخذنا منه فتوى الإحتفال باليوم الوطني هو الشيخ عبد العزيز الفوزان"
أقول : جزاك الله أخية خير الجزاء على ذكر هؤلاء العلماء ، ولكن أحببت التنبيه على شي مهم ، وهو نقلك لاتفاق ثقة الأمة كلهم على علمهم ،  وهذا الشي إن كان متحقق  مع علماؤنا الأجلاء ابن عثيمين - ابن باز والألباني رحمهم الله والشيخ صالح الفوزان حفظه الله ولكن لم أجد أن الأمر متحقق مع كلاً من الشيخ عبدالرحمن السحيم والشيخ عبد العزيز الفورزان . ذلك لأن كثير من علماء الأمة المعتبر شهادتهم، منهم من يوثقونه ومنهم من لا يوثقه ويرد عليه في جملة من العلوم ، وبغض النظر عن مع أي الفريقين كنا ، فلا يصح أن ننقل إجماع الأمة على شي لم يتحقق ، ومعلوم لدينا أن إجماع الأمة حجة شرعية لا يجوز قطعه هكذا دون الأخذ بالاعتبار لمعناه.
وهنا تنبيه آخر أختي الفاضلة فإنه ممَّا يهمُّ المسلم المعاصر لهذا الزمن ، أن تكون له بيِّنة لصفات من يؤخذُ عنهم العلم ، ومعرفة جليَّة لسمات أهله وأصحابه ؛ لئلاَّ يختلط عليه الحق بالباطل ، والصواب بالخطأ ، وليعبد الله على بصيرة وبيِّنة، لا على مبدأ الظن والرأي كما رأينا ، خصوصاً أنّ أحاديث صريحة أتت عن رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في التحذير ممن يتقمصون مسوح العلم وينطقون به ، ومن أئمة الضلال الذين يحكمون بالجور والجهل ، ومن ذلك أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال:(سيـأتي على الناس سنوات خدَّاعات يُصَدَّقُ فيها الكاذب ، ويُكَذَّبُ فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخوَّن فيها المؤتمن ، وينطق الرويبضة . قيل: وما الرويبضة؟قال: الرجل التافه ، يتكلم في أمر العامَّة) أخرجه ابن ماجه(44) وأحمد في المسند[/91]بسند حسن ، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني(1887) وثبت عند أحمد من حديث أبي الدرداء أنَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ قال:(إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلون) [المسند6/441] وحدَّث عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قال:(إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتَّى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهَّالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا[ أخرجه البخاري1/174،175 في كتاب العلم ، ومسلم واللفظ له4/58]
 من هم العلماء ؟ :
قال ابن سيرين:"المقصود بالعلماء:هم العلماء الربانيون أهل الخشية والتقوى الذين تعلموا العلم الشرعي من كتاب وسنة على فهم السلف الصالح ,وعلّموا الناس ما ينفعهم من أمور دينهم,ولم يشغلوا الناس بما لا يعنيهم ولا مصلحة لهم به أو ما لا يحتاج إليه الناس من القصص والخطرات والوساوس " انظر أخلاق العلماء(77ـ79)للأجري ومناقب الإمام أحمد(179)لابن الجوزي.ومحاضرات في العقيدة والدعوة(2/241)صالح الفوزان.
وقال الشيخ صالح الفوزان:
"نصيحتي لطلاب العلم المبتدئين:أن يتتلمذوا على العلماء الموثوق بعقيدتهم وعلمهم ونصحهم. " (الأجوبة المفيدة 130)
وقال أيضا: "الذين تتلقى عنهم العقيدة هم أهل التوحيد، وعلماء التوحيد الذين درسوا هذه العقيدة دراسة واعية ، وتفقهوا فيها،فالرجوع إلى أهل التوحيد وإلى علماء التوحيد الذين سلمت عقيدتهم وصفت هم الذين تؤخذ عنهم عقيدة التوحيد. (الأجوبة المفيدة 95)

وقال أيضا: " أوصاف العلماء الذين يقتدى بهم هم أهل العلم بالله عزوجل، الذين تفقهوا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،وتحلوا بالعلم النافع،وكذلك يتحلون بالعمل الصالح.الذين يقتدى بهم هم الذين جمعوا بين الأمرين: بين العلم النافع والعمل الصالح،فلا يقتدى بعالم لايعمل بعلمه،ولايقتدى بجاهل ليس عنده علم ،ولايقتدى إلا بمن جمع بين الأمرين: العلم النافع والعمل الصالح، وكل عالم لم يجرب عليه خطأ،ولم يجرب عليه انحراف في السيرة أو الفكر فإنه يؤخذ عنه.( (الأجوبة المفيدة  251)
وقال الشيخ صالح الفوزان أيضا: "العلماء الراسخون الذين يؤخذ بقولهم لا علماء الضلال ولا المتعالمين ولا الجهال؛فإنما يسأل العلماء الربانيون الراسخون في العلم، فهم الذين يعتبر قولهم وفتواهم " (التعليقات التوضيحية على مقدمة الفتوى الحموية31)
فائدة في أخذ العلم عن الأكابر وبيان معناه

قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ((البركة مع أكابركم)) (صححه الألباني في صحيح الترغيب 99) . 
وقال محمد بن سيرين -رحمهُ اللهُ- ومالك وغيرهما: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. التبيان في آداب حملة القرآن (25).وقال -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ((إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)). انظر : الصحيحة(695)، وذم الكلام للهروي(4/75)
وقال إبراهيم الحربي في قوله: ((لا يزالون بخير ما أتاهم العلم من قبل كبرائهم))
معناه أن الصغير إذا أخذ بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين فهو كبير، والشيخ الكبير إن أخذ بقول فلان-من أهل الرأي وترك السنن فهو صغير. انظر: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة(1/85) بتصرف يسير.

(وقال عمر بن الخطاب -رضي اللهُ عنه- : " إن أصدق القيل قيل الله، ألا وإن أحسن الهدي هدي محمد -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة ضلالة، ألا وإن الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، ولم يقم الصغير على الكبير، فإذا قام الصغير على الكبير فقد" أي: فقد هلكوا.وقال عبد الله بن مسعود -رضي اللهُ عنه-: "لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل كبرائهم فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم هلكوا".وقال –أيضاً- -رضي اللهُ عنه-: "العلم في كبرائكم، ولن تزالوا بخير ما كان كذلك، فإذا قال الصغير للكبير: ما يدريك، فهناك هناك".فالأصاغر هم أهل الانحراف والضلال، وهم أهل الجهل ولأهواء
قال ابن عبد البر -رحمهُ اللهُ- : "قال بعض أهل العلم: إن الصغير المذكور في حديث عمر وما كان مثله من الأحاديث إنما يراد به الذي يُسْتَفْتى ولا علم عنده، وإن الكبير هو العالم في أي سِنٍّ كان.وقالوا: الجاهل صغير وإن كان شيخاً، والعالم كبير وإن كان حَدَثاً".إلى أن قال: "وقال آخرون: إنما معنى حديث عمر وابن مسعود في ذلك أن العلم إذا لم يكن عن الصحابة كما جاء في حديث ابن مسعود، ولا كان له أصل في القرآن والسنة والإجماع؛ فهو علمٌ يهلك به صاحبه، ولا يكون حامله إماماً ولا أميناً ولا مرضياً كما قال ابن مسعود -رضي اللهُ عنه- وإلى هذا نزع أبو عبيد -رحمهُ اللهُ- " ) جامع بيان العلم وفضله(1/617)
وقال بهز -رحمهُ اللهُ- : " دين الله أحق ما طلب له العدول". انظر: ذم الكلام للهروي(5/63).
وقال المناوي في فيض القدير(3/220) : " ((البركة مع أكابركم)) المجربين للأمور، المحافظين على تكثير الأجور، فجالسوهم لتقتدوا برأيهم، وتهتدوا بهديهم.أو المراد من له منصب العلم وإن صغر سنه، فيجب إجلالهم حفظاً لحرمة ما منحهم الحق سبحانه وتعالى."
وقال شارح الشهاب: هذا حث على طلب البركة في الأمور، والتبحبح في الحاجات، بمراجعة الأكابر لما خصوا به من سبق الوجود، وتجربة الأمور، وسالف عبادة المعبود، قال تعالى: {قال كبيرهم}، وكان في يد المصطفى سواك فأراد أن يعطيه بعض من حضر، فقال جبريل عليه السلام: ((كَبِّرْ كَبِّرْ)) ، فأعطاه الأكبر، وقد يكون الكبير في العلم أو الدين، فيُقَدَّمُ على من هو أسن منه".
فالواجب أخذ العلم عن الثقات من أهل العلم، وعن أهل السنة والاتباع
ولهذا لما سئل للشيخ صالح السحيمي حفظه الله – ولعلك هو من التبس عليك وقصدتيه بأنه ممن وثقت الأمة في علمه -، فالشيخ حفظه الله مشهور معروف لدى أهل وطلبة العلم، وهو مدرس في المسجد النبوي وجامعة المدينة المنورة ، سئل  : ما هي صفات العلماء الذين يُستفتون ؟ أجاب بأهم الصفات التي ينبغي للعالم والمفتي أن يتوافر فيه قال:
"صفات العلماء الذين يستفتون واضحة جدا أوضح من الشمس الصفة الأولى : اهتمامهم بالكتاب والسنة وتعويلهم عليها وتركيزهم عليها . والصفة الثانية : اعتدالهم ووسطيتهم في جميع الأمور .الصفة الثالثة : تعويلهم على العلم والتعلم , والفقه في دين الله عز وجل .الصفة الرابعة : وضوح منهجهم ووضوح طريقتهم العلمية
من علاماتهم : محبة الخير للناس يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم .من علاماتهم التواضع، ومن تواضع لله رفعه من علاماتهم الرجوع عن الخطأ وإعلان الرجوع
من أعظم علامات العلماء الربانيين أن يكون لهم موقف واضح في النوازل المدلهمة , والمسائل التي تتعلق بمصير الأمة , أيضا من علامات العلماء الدعاء لولي الأمر " إلى غير ذلك .. ومن يريد أن يتوسع في الفتوى فهي موجودة في موقع الشيخ مع ما فيها من فوائد قيمة .
فالشاهد أن الأصل هو علمهم الغزير واهتمامهم  الشديد به وبالكتاب والسنة وأن ذلك واضح جداً في فتاويهم وأعمالهم وتواضعهم ورجوعهم عن الخطأ ووضح منهجهم المبني على الكتاب والسنة وعلى فهم السلف الصلح لا غير .
فهؤلاء هم الاكابر ، فإذا تعرض فتاوى الأصاغر مع الأكابر خصوصا إذا كانت فتوى الصغير شاذة والأكابر قد أفتوا بقو واحد ، فلا شك هنا من أنه يقدم فتوى الأكابر من عدة وجوه مذكورة.
فصل في :بيان قضية اختلاف العلماء وموقف المسلم من ذلك.
قال الشيخ السعدي ‏- رحمه الله - في تفسيره عند هذه الآية :
"هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق‏.‏ وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي‏:‏ والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها‏.‏ فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك‏.‏ وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال‏:‏(لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ‏)أي‏:‏ يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة‏.‏
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي :
 أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ‏.‏ وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان‏؟‏ أم لا،فيحجم عنه‏؟‏
ثم قال تعالى‏:‏(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ‏)أي‏:‏ في توفيقكم وتأديبكم، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون، ‏(‏لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا‏)لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر‏.‏ فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم‏ "ا.هـ . ( تفسير السعدي ص 201-202 )
فمن تأمل أخواتي هذه الآية  العظيمة ، وما أورده الشيخ رحمه الله في تفسيره  ، لعلم أهمية الرجوع إلى أهل العلم المعتبرين في  الأمور المهمة والمصالح العامة ، ففي الرجوع إليهم وقاية وسلامة من إذاعة الفتن و من الوقوع في  الشبهات التي إن وُقِع فيها وُقِع في الحرام ، كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن ذلك من حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" ( صححه الألباني / صحيح ابن ماجه 3234).
وقال صلى الله عليه وسلم : "إن السعيد لمن جُنِّب الفتن" (صححه الألباني / صحيح أبي داود4263)
وعن ابن مسعود  - رضي الله عنه -  قال : "إنه سيكون أمورٌ مشتبهات فعليكم بالتؤدة فإنك أن تكون تابعاً في الخير خيرٌ من أن تكون رأساً في الشر" . أخرجه ابن شيبة  في المصنف ( 15/34) ،والبيهقي في الشعب (7/297)
فعلى المؤمن التأني والتؤدة ، والأخذ من الثقات ، ومطالبتهم بالدليل ، والأخذ بالراجح عنده بما ثبت عنده من أدلة لا بالراجح عنده من الظن والأهواء ،  ولايسوغ لأحد اختيار أخف الأمرين دون تتبع للأدلة ، فإنه إما حق أو صواب، والواجب البحث عن الحق ،  وليس في الأمر سعة كما يدندن حوله المبتدعون ،كما لا يسوغ لأحد أن يحتج بالخلاف ويأخذ بما شاء ،كما بين ذلك أكثر من واحد من أهل العلم.
وأنصح أخواتي بالرجوع إلى كتاب زجر المتهاون بضرر قاعدة المعذرة والتعاون، والقاعدة هي : نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضأ فيما اختلفنا عليه ، ففيه نقل كثير لأقوال السلف الصالح وأقوال علماؤنا الكبير في هذه المسألة.
قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان - عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء - حفظه الله -.
في قضية اختلاف العلماء والموقف من ذلك.
الاختلاف على أقسام:
القسم الأول: الإختلاف في العقيدة وهذا لا يَجوز؛ لأنَّ العقيدة ليست مَجالاً للاجتهاد والاختلاف لأنَّها مَبنية على التوقيف ولا مسرح للاجتهاد فيها، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذَكَر افتراق الأُمة إلى ثلاث وسبعين فِرقَة قال: كُلُّها في النار إلاَّ واحدة. قيل: مَن هم يا رسول الله. قال: " هُم مَن كان على مَا أَنَا عليه وأصحابي".
القسم الثاني: الخلاف الفقهي الذي سببه الاجتهاد في استنباط الأحكام الفقهية من أدلتها التفصيلية، إذا كان هذا الاجتهاد مِمَّن تَوَفَّرت فيه مُؤهلات الاجتهاد، ولكنه قد ظهر الدليل مع أحد المجتهدين فإنَّه يَجب الأخذ بما قام عليه الدليل وترك ما لا دليل عليه.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: أجْمَعَتِ الأُمَّة على أنَّ من استبانت له سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لَم يَكُن لِيَدَعَهَا لِقَولِ أَحد. وذلك لقول الله تعالى: ( فإن تَنَازَعْتُم فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ والرَّسُولِ إِنْ كُنْتٌمْ تُؤمِنُونَ باللهِ واليومِ الآخِرِ ذلكَ خَيْرٌ وأحسنُ تَأويلاً).
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
العِلم قالَ الله قالَ رسوله * * * قال الصحابة هُم أُولُو العِرْفَان
ما العلم نَصبك للخلاف سفاهة * * * بين النصوص وبين قول فلان

وقال آخر:
                              وليس كُلُّ خِلاف جاء معتبراً * * * إلاَّ خِلاف له حَظٌّ مِن النظر

وقال آخر:
العلم قال الله قال رسوله * * * قال الصحابة ليس خِلاف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة * * * بين النصوص وبين رأي فقيه
القسم الثالث: الاجتهاد الفقهي الذي لم يظهر فيه دليل مع أحد المختلفين، فهذا لا يُنْكَر على مَن أَخَذ بأحد القولين، ومِن ثم جاءت العبارة المشهورة: {لا إنكار في مسائل الاجتهاد  وهذا الاختلاف لا يُوجِب عداوة بين المختلفين}. لأنَّ كُلاًّ منهم يَحتمل أَنَّهُ على الحقِّ.
هذا وبالله التوفيق، وصلَّى الله وسَلَّم على نَبيِّنا مُحمَّد وآله وصحبه.أ.هـ
(الإجتماع ونبذ الفرقة، للشيخ صالح الفوزان، صفحة:46-47-48)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
(وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإنَّ الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل.
أمّا الأول فإذا كان القول يُخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً. وإن لم يكن كذلك فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء.
وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بِحسب درجات الإنكار.

أما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم ينكر على من عمل بها مُجتهداً أو مقلداً.
وإنما دخل هذا اللبس مِن جهة أنَّ القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس. والصواب الذي عليه الأئمة أنَّ مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يَجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء الأدلة فيه ).
بيان الدليل على بطلان التحليل لابن تيمية: (ص: 210)

وقال الشوكاني -رحمه الله-:
(هذه المقالة -لا إنكار في مسائل الخلاف- قد صارت أعظم ذريعة إلى سدّ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما بالمثابة التي عرَّفناك، والمنـزلة التي بيَّناها لك، وقد وجب بإيجاب الله عزّ وجلّ، وبإيجاب رسوله صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة، الأمر بما هو معروف من معروفات الشرع، والنهي عما هو منكر من منكراته: ومعيار ذلك الكتاب والسنة، فعلى كل مسلم أن يأمر بِما وجده فيهما أو في أحدهما مَعروفاً، ويَنهى عما هو فيهما أو في أحدهما مُنكراً. وإنْ قال قائل من أهل العلم بما يُخالف ذلك، فقوله مُنكر يَجب إنكاره عليه أولاً، ثم على العامل به ثانياً. وهذه الشريعة الشريفة التي أُمِرْنا بالأمر بمعروفها، والنهي عن منكرها، هي هذه الموجودة في الكتاب والسنة).
السيل الجرّار للشوكاني (4/588)



فصل: ليس يعذر كل من تأول تأويلاً خاطئاً.، ولا يعذر كل من تابعه على ذلك.
قال الله تعالى : " ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم "
وقال عمر بن الخطاب :" لا عذر لأحد في ضلالة ركبها، حسبها هدى،  فقد بينت الأمور،  وثبتت الحجة ، وانقطع العذر" ( السنة ص 22)
وقال البربهاري :" وذلك أن السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله ، وتبين للناس، فعلى الناس الاتباع" ا.هـ. ( الحجة في بيان المحجة 2\510)
قال حمد العثمان : " فهناك صنف من الناس متبع لأهوائه ، وآرائه ، وخواطره ، وهواجيسه ، وتراه يرد ما هو أوضح من الصبح من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهر من الشمس : برأي دخيل ، واستحسان ذميم ، وظن فاسد ، ونظر مشوب بالهوى ، فهل يعذر مثل هذا؟؟ " ( زجر المتهاون : 61)
فصل في : بيان خطورة الجدال والكلام في الدين ووجوب التسليم لأمر الله عزوجل بعد بيان الحق دون مناقشة أو وتردد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا كفيل ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا"
قال الشيخ السعدي رحمه الله عند هذه الآية : " أي‏:‏ ومن الناس طائفة وفرقة، سلكوا طريق الضلال، وجعلوا يجادلون بالباطل الحق، يريدون إحقاق الباطل وإبطال الحق، والحال أنهم في غاية الجهل ما عندهم من العلم شيء، وغاية ما عندهم، تقليد أئمة الضلال، من كل شيطان مريد، متمرد على الله وعلى رسله، معاند لهم، قد شاق الله ورسوله، وصار من الأئمة الذين يدعون إلى النار‏". ( تفسير السعدي – سورة الحج)
فعلامة المؤمنين حقاً هو قول الله تعالى : إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأؤلئك هم المفلحون ".
قال الإمام أحمد - رحمه الله - :
"
إذا رأيت الرجل يحب الكلام فاحذره " ..و قال أيضاً : " لا تجالس صاحب كلام و إن ذبّ عن السنة فإنه لا يئول أمره إلى خير " ..قال وهب بن منبه - رحمه الله - :
"
دع المراء و الجدال عن أمرك فإنك لا تعجز أحد رجلين : رجل هو أعلم منك ، فكيف تماري و تجادل من هو أعلم منك ؟ و رجل أنت أعلم منه ، فكيف تماري و تجادل من أنت أعلم منه ؟ و لا يُطيعك ؛ فاقطع ذلك عليك " ..قال معن بن عيسى - رحمه الله - :
"
انصرف مالك بن أنس - رحمه الله - يوماً من المسجد ، و هو متكئ على يدي ، فلحقه رجل يقال له : أبو الحورية ، كان يُتهم بالإرجاء فقال : يا عبد الله ، اسمع مني شيئاً ، أكلمك به ، و أحاجك و أخبرك برأي ، قال : فإن غلبتني ؟ قال : إن غلبتك اتبعني ، قال مالك : فإن جاء رجل آخر فكلمنا فغلبنا ؟ قال : نتبعه ، فقال مالك : يا عبد الله بعث الله - عزوجل - محمداً - صلى الله عليه و سلم - بدين واحد ، و أراك تنتقل من دين إلى دين " ..قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - :
"
من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل " ..
و قال الإمام البربهاري - رحمه الله - في " شرح السنة " :
و الكلام و الخصومة و الجدال و المراء مُحدث ، يقدح الشك في القلب ، و إن أصاب صاحبه الحق و السنة " ..و قال - رحمه الله - :
"
و اعلم - رحمك الله - أنه ما كانت زندقة قط ، و لاكفر ، و لا شك ، و لا بدعة ، و لا ضلالة و لاحيرة في الدين ؛ إلا من أصحاب الكلام ، و أصحاب الكلام ، و الجدال ، و المراء ، و الخصومة ..و العجب كيف يجترئ الرجل على المراء و الخصومة و الله تعالى يقول : [ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ] ، فعليك بالتسليم ، و الرضا بالآثار و أهل الآثار ، و الكف ، و السكوت " ..و قال - رحمه الله - :
"
و لا تطلب من عندك حيلة ترد بها على أهل البدع ، فإنك أُمرت بالسكوت عنهم ، و لا تمكنهم من نفسك ، أما علمت أن محمد بن سيرين - في فضله - لم يُجب رجلاً من أهل البدع في مسألة واحدة و لا سمع منه آية من كتاب الله - عزوجل - فقيل له ، فقال : " أخاف أن يُحرفها فيقع في قلبي شيء " ..



فصل في أهمية التعلم والتفقه في الدين:
لا شك بأنه لا يخفى على أحد من الناس فضل طلب العلم ، وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تشير إلى فضل العلم وأهله ، وخصوصا" في باب الدعوة إلى الله ، فإن السلف أكثروا من التحذير من الداعي الجاهل ، لأنه يفسد أ كثر مما يصلح ، ويضل أكثر من أن يرشد.
وهذا الشي – أي العلم - جلي واضح في سير السلف الصالح وكتبهم . ولا يخفى على أحد ما كانوا عليه من العلم والفقه، حتى في فتاوى علمائنا الأكابر  ترى فيه اهتمامهم بالعلم والتعلم والفقه والتفقه ، وما كانت حياتهم كلها إلا مسيرة طلب علم وتعليم علم . وأحيلك إلى كتبهم ففيه الكفاية في ذلك :
·        أخلاق العلماء للآجري س.300 هـ
·        جامع بيان العلم وفضله : لابن عبدالبر.
·        الفقيه والمتفقه:  للخطيب البغدادي.
·        اقتضاء العلم العمل : للخطيب البغدادي.
·        بيان فضل علم السلف على علم الخلف: لابن رجب.
·        مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة:  لابن القيم الجوزية.
·        حلية طالب العلم : لبكر بن زيد.
·        الصحوة الإسلامية، ضوابط وتوجيهات : للشخ ابن عثيمين
·        كتاب الدعوة إلى الله وأخلاق الداعية : للشيخ ابن باز
·        معالم في طريق طلب العلم : لابن سدحان (طالب ابن باز)
·        النبذ في آداب طالب العلم : حمد العثمان (طالب ابن عثيمين )
·        قواعد في التعامل مع العلماء : لعبدالرحمن اللويحق
·        البصيرة في الدعوة إلى الله : للشيخ عزيز بن فرحان العنزي ( طالب ابن باز)

وهذه فتوى للشيخ عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم رحمه الله ،
تبين أهمية طلب العلم الشرعي من شريط أصول الدعوة السلفية قال:

" في حين ان كثيراً من الجماعات الإسلامية اليوم منصرفة عن العلم الشرعي، وفي حين ان كثيراً من اتباع تلك الجماعات منصرفون عن العلم الشرعي، فإن الدعوة السلفية تولي طلب العلم الشرعي أهمية كبيرة إذ هو الركيزة والأساس المتين الذي تقوم عليه الحياة فبناء الفرد وبناء المجتمع لا يتمان ولا يصلحان إلا بالعلم الشرعي ولذا فإن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالعلم قبل القول والعمل فقال عز وجل { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين}، ونحن جعلنا العلم بداية الأصول لأن السبل كثيرة وكلها سبل متاهات إلا سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله جل وعلا:{ وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}، ولا سبيل الى سلوك سبيل السنة إلا بالعلم الذي يكشف الحقائق وينير الطريق،ولذلك قال الله تعالى :{ قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني }، فقوله على بصيرة: أي على برهان وحجة وهما العلم النافع ، يقول الإمام احمد رحمه الله تعالى: "الناس إلى تعلم العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب".. الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين والعلم يحتاج إليه بقدر الأنفاس...
ومما ينبغي أن يعلم أن طلب العلم قسمان:
1-
فرض على كل أحد..
2-
وفرض كفاية..
أما الأول / فهو الذي يقول فيه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كما في الأصول الثلاثة: "اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل ، الأولى : العلم :وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة".
وقد بين الإمام احمد ما يجب على المسلم أن يتعلمه فقال : "يجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه ، قيل له مثل أي شيء؟، قال : الذي لا يسعه جهله صلاته وصيامه ونحو ذلك". فالذي يجب على الإنسان أن يعمل به كأصول الإيمان وشرائع الإسلام وما يجب اجتنابه من المحرمات أو ما يحتاج إليه في المعاملات ونحو ذلك ، يجب أن يكون الإنسان عالماً به ، وسؤال أهل العلم من العلم ، فمن سأل أهل العلم فقد استنار في دينه وفعل ما يجب عليه ،يقول تعالى :{ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر}،، فهذا هو طلب العلم الشرعي الذي هو فريضة على كل أحد، أما فرض الكفاية من العلم / فهو ما دون ذلك والاشتغال به أفضل من الاشتغال بالقربات ونوافل العبادات على الصحيح من أقوال أهل العلم كما ورد عن الإمام احمد أنه قال : تعلم العلم وتعليمه أفضل من الجهاد وغيره مما يتطوع به.
ونحن قد أدركنا بعض كبار السن في بلدنا هذا من العامة يحفظون بعض متون العقيدة كالأصول الثلاثة وكشف الشبهات والتوحيد ، ويحفظون آداب المشي الى الصلاة وكل هذا من آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ومن بركاتها، ولقد قرر الإمام سعود بن عبد العزيز الأول والإمام فيصل بن تركي دراسة هذه الكتب على جميع المساجد في الدولة السعودية فحفظها ولله الحمد الكبار والصغار، العامة وطلبة العلم، كما يعرف ذلك كثير ممن اعتنى بهذه الأخبار،وكثير من كبار السن الموجودين الآن ، وهذا هو السر الوحيد في بقاء هذه البلاد نقية من أدران البدع، فلو لم يكن العامة على علم بعقيدتهم لفـشـى فيهم شيء من البدع والشركيات ، ولكن العلم حصن حصين ودرع متين من تحصن به وقي شراً كثيراً،، والطريقة التي ينال بها العلم يصعب ان نحددها بحيث أن كل شخص يكون ملزماً بإتباعها لكن أحسن الطرق في نظرنا هي ما كان عليه علماؤنا رحمة الله تعالى عليهم اجمعين،،
وفي هذا يقول الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمة الله عليه كما في فتاويه: "وتعيين ما يشتغل به -أي طالب العلم- يختلف باختلاف الأحوال والبلدان ، والحالة التقريبية في نظرنا هذا أن يجتهد طالب العلم في حفظ مختصرات الفن الذي يشتغل به فإن تعذر أو قصر عليه حفظه لفظاً فليكرره كثيراً حتى ترسخ معانيه في قلبه ثم تكون باقي كتب الفن كالتوضيح والتفسير لذلك الأصل الذي أدركه وعرفه، فلو حفظ الطالب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام وثلاثة الأصول وكتاب التوحيد للشيخ محمد ، وفي الفقه مختصر الدليل _يعني دليل الطالب_ ومختصر المقنع، وفي الحديث بلوغ المرام ، وفي النحو الأجرومية ،، واجتهد في فهم هذه المتون وراجع عليها ما تيسر من شروحها أو كتب فنها ،فإنها كالشرح لها لأن طالب العلم إذغ حفظ الأصول صار له ملكة تامة في معرفتها وهانت عليه كتب الفن كلها الصغار والكبار ،، ومن ضيع الأصول حُرِم الوصول ، فمن حرص على هذه العلوم النافعة واستعان بالله أعانه وبارك له في علمه وطريقه الذي سلكه ، ومن سلك في طلبه للعلم غير الطريقة النافعة فاتت عليه الأوقات ولم يدرك إلا العناء كما هو معروف بالتجربة والمشاهدة" انتهى كلامه رحمه الله تعالى.